Sunday, March 09, 2008

1..قراءات خاصة جدا..لواقع عام جدا

الوطن ..والوطن البديل

كلنا- أنا وأنت مع الإعتذارالكامل لغير الطبيعيين - بدأنا من نفس النقطة نفس البداية تقريبا..خرجنا من بطون أمهاتنا لنجد أنفسنا مزروعين في وطننا الأول الذي استكشفناه بكل ما نملك من براءة وبياض وانسجمنا معه بكل ما نعرف من صدق وشفافية وتفاعلنا معه بكل كياننا الطفلي كما يقولون حتي النخاع..وعلي قدر التصاقك بالوطن / الحضن علي قدر اكتشافك له وتفاعلك معه..الآن أنتبه لما كانت تقوله جدتي عن تلك الحاملات التي اشتهرت في بلدنا يحملـْـن بها أطفالهنّ *ياشيخ اسكت بلا خيابة نسوان ..هو الواد يرتاح كده غير ف سدر امه"(تقصد صدر أمه).. قالتها جدتي ببراءة طفولية بعيدة الحد..الفكرة أن تلك الحوامل كانت تمثل لها وللطفل من وجهة نظرها فكرة التغريب عن الوطن..فكرة التهجير المؤقت للطفل عن الأرض التي يعرفها.. الآن أعي ذلك تماما
ثم خضنا علي استحياء مرحلة جديدة حاولنا فيها اكتشاف وطن نجهله تماما/الأرض/ لذلك حاولنا اكتشافه منذ البداية زاحفين، وكأننا كنا نحاول أن نضع أيدينا علي كل شبر منه لنكسر شوكة جهلنا به ونستكشف كل أسراره (الآن وبعد كل تلك السنين أفهم كــُنْـهَ البداية..كــُنـْهَ الزحف). وفي تلك اللحظة التي حاولنا فيها اكتشاف عالم جديد ،لم نكن ندرك بالطبع تلك المؤامرات التي تــُدبر من وراء ظهورنا لانتزاع أوطاننا الأولي (آاااه لو كنا نعلم)..كي نلجأبعد ذلك – عاطفيا – إلي الأرض بكل ما تحمله من صلابة وجفاف وخشونة نحاول سد الفراغ الذي زُرع داخلنا عميقا،محاولين استبدال الأرض بصلابتها بليونة الصدر..استبدال جفافها بنضارة الحضن وخضرته..استبدال خشونتها بنداوة الضمة ..استبدال برودتها بدفء اللهفة وحرارتها ..ننزح عن أوطاننا الأولي كي نلجأإلي أوطاننا البديلة(اللجوء واللاجئين ..للمرة الأولي تطنّ في أذني تلك المصطلحات ذاك الطنين) ز
أول حسرة بتنزل قلب العيـّل هيّ البـز
هكذا قالت أمي ببراءة مقولة جدتي أو أكثر ..استوقفتني طويلا فكرة ذلك الحرمان المدبر من الوطن/ الحضن / الحنان وجعلتني أذكر بتعاطف شديد كل المؤامرات التي كانت تُمارس علي ابنة أختي منذ فترة ممن حولها محاولين أن يجبروها علي نسيان وطنها الأول وربطها بالوطن البديل لتجد نفسها محاصرة بكل الإغراءات التي لم تعهدها من قبل بهذه الكثرة المفزعة..الآن أنظر في عينيها ..أسترجع بشئ من الأسى نزوحي الأول عن وطني .. أشعر في أوقات كثيرة أنها وهي الطفلة بسذاجتها الثاقبة الحكيمة سوف تخدعنا نحن الكبار بمكرنا السخيف وتفاجئنا بأي لحظة بفشل كل محاولاتنا لانتزاعها من الوطن الملاصق وإقناعها بالوطن البديل. ز
الآن أدرك تماما أننا جميعا لم تفلح معنا كل تلكم المؤامرات ونحن صغار..الآن أفهم تماما لماذا حين تعصرنا الغربة خارج بلادنا/الوطن البديل يهزمنا الشوق لأوطاننا الأولي ..كم نشعر باحتياجنا لضمة ونحن في اغترابنا عن بلادنا ..حتي في تعبيرنا عن احتياجنا للتراب نُفاجأ بأنّا نعبر عن احتياجنا للضــمّ *محتاج أحضن ترابك أوليس هذا تعبيرنا عن احتياجنا للتواصل والعودة..أوليس أول ما نقوم به عند العودة من سفر بعيد هو ارتماؤنا في أحضان من نشتاق إليهم حقيقة/حنينـُنا الذي لا يفارقنا لأوطاننا الأولي/ ثم يتبعه إحساسنا بالأرض ..بالشوارع ..بالمباني فتستقطب أبصارنا طويلا في الطريق غير أن وخز ضمة اللقاء مازال في صدورنا يشعرنا بالنشوة والمتعة والأمن..(خليني أصرخ جوا حضنك م الحنان..وكل ما اصرخ زوّدي الأحضان كمان)"يخرب بيتك يامنير..هوّفي أكتر من كده

منذ المرة الأولي التي سمعت فيها تلك الكلمات منها وأنا أحترمها كثيرا..قالت جملة هي في تقديري من أعظم جمل الحوار في تاريخ السينما ..قالت -في فيلم أحلي الأوقات- هند صبري داخل السجن *علشان كده الستات بتقلب رجالة بعد الجواز..علشان الرجالة مبقتش تعرف تحضن حين تتردد تلك الجملة في أذني- وكثيرا ما تتردد- تتزاحم تلك الأاحاسيس داخلي تجاه هذاالحضن/ الضمة..كم هو بـــوْن شاسع ما بين القبلة بما فيها من غريزية ورغبة وما بين الضمة وما فيها من احتواء وأمان..أتفق تماما مع هند صبري فيما رمت إليه من أسباب إنهيار حياتنا الأسرية حقا..فقداننا لما يمثله هذا الحضن من معانٍ /تفاهم /حب /تراحم /التصاق /سند/تفاعل/...........ز
ولكن مع التضمين اللازم ما بين كلام جدتي وكلامها لابد أن أقول كلمة ً ما لهند صبري ولغيرها من النساء *الرجالة مبقتش تعرف تحضن ..بس ده لأن الستات مبقتش تعرف تحضنهم وهما صغيرين
وهذا لا يعني سوي شئ واحد ،هو أننا –رجالا ونساءا- فقدنا قيمة إحساسنا بالحضن/الوطن الأول فكيف نُطالَـَـب بأن نشعر بقيمة الأرض/الوطن البديل. "علي رأي ستي ..ياشيخ اسكت بلا خيابة" ز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستي: "لمن هو لايعلم " تعني جدتي "عشان محدش يبقي له حجة"

Posted by syzef :: 11:42 AM :: 21 Comments:

Post a Comment